فصل: مسألة شاة ذبحها يهودي فوجدها لا تحل له هل ترى أكلها للمسلمين حلالا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة شاة ذبحها يهودي فوجدها لا تحل له هل ترى أكلها للمسلمين حلالا:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول فأنت طالق:
مسألة وسئل ابن القاسم: عن شاة ذبحها يهودي فوجدها لا تحل له هل ترى أكلها للمسلمين حلالا؟ قال: قال مالك: إني لأكرهه وما هو عندي بحرام، قيل له: فالشحم؟ قال: والشحم مثلها أو أكره منه، قال ابن القاسم: وأنا ليس يعجبني أكله ولا أراه حراما، قال ابن نافع: ولا بأس به وليس عندنا فيه كراهية، وإنما بمنزلة طعامهم ونهى ابن كنانة عن أكلها.
قال محمد بن رشد: لابن القاسم في المدونة أنه لا يؤكل، مثل قول ابن كنانة، فهي ثلاثة أقوال، الإجازة والكراهة والمنع، ترجع إلى قولين الإجازة والمنع؛ لأن الكراهة من قبيل الإجازة، وفرق أشهب وغيره بين الشحم وما حرموه على أنفسهم مما ليس محرما عليهم في التورية، والأصل في هذا الاختلاف اختلافهم في تأويل قوله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]. هل المراد بذلك ذبائحهم أو ما يأكلون، فمن ذهب إلى أن المراد بذلك ذبائحهم أجاز أكل شحومهم؛ لأنها من ذبائحهم ومحال أن تقع الذكاة على بعض الشاة دون بعض، وأجاز أيضا أكل ما ذبحوه ليأكلوه مما وجدوه فاسدا فلم يأكلوه؛ لأنه من ذبائحهم، ويؤيد هذا التأويل ما روي من إباحة رسول الله شحوم يهود على ما جاء من «أن رجلا وجد في بعض حصون خيبر عند افتتاحها جرابا مملوا شحما فبصر به صاحب المغانم فنازعه فيه، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خل بينه وبين جرابه يذهب به إلى أصحابه»، ومن ذهب إلى أن المراد من ذلك ما يأكلون لم يجز أكل شحومهم؛ لأن الله حرمها عليهم في التورية على ما أخبر به القرآن، فليست مما يأكلون، واختلفوا فيما حرموه على أنفسهم مما ذبحوه فوجدوه فاسدا هل يحمل محمل الشحوم التي حرمها الله عليهم، أم لا، فشحومهم يجوز أكلها على التأويل الأول باتفاق، ولا يجوز على التأويل الثاني باتفاق، وما ذبحوه مما وجدوه فاسدا فلم يأكلوه فيجوز أكله على التأويل الأول باتفاق وعلى التأويل الثاني باختلاف، فهذا معنى قول مالك في المدونة: والشحم مثله أو أكره؛ لأن من مذهبه مراعاة الخلاف فكلما ضعف الاختلاف في إجازته قويت فيه الكراهية، فعلى هذا الذي ذكرناه لا يحل لنا أكل ما ذبحوه من كل ذي ظفر إذ لم يقصدوا إلى ذكاته من أجل أنهم لا يأكلونه فهو كالميتة، هذا نص قول ابن حبيب في الواضحة، ولا أعرف في هذا نص اختلاف إلا ما وقع لأشهب في المبسوطة، وهو محتمل للتأويل، وذهب ابن لبابة إلى خلاف هذا الأصل كله، فقال: كل ما كان حلا لنا ومن طعامنا فهو حل لهم ومن طعامهم؛ لأن الله أحل لهم طعامنا كما أحل لنا طعامهم، فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]. فجائز لنا أن نأكل من طعامهم كل ما يجوز لنا أكله، من الشحوم والمذبوح والمنحور وغير ذلك، كان مما حرمه الله عليهم في التورية أو حرمه إسرائيل عن نفسه من قبل أن تنزل التورية، أو حرموه هم على أنفسهم؛ لأن ما حل لنا حل لهم، وما حرم علينا حرم عليهم لوجوب الإسلام عليهم، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]. وبطل ما هم عليه من البقاء على شرائعهم، قال: وكما لا نستبيح من طعامهم ما يأكلونه إذا كنا نحن لا نأكله، فكذلك نستبيح من طعامهم ما لا يأكلونه إذا كنا نحن نأكله، وقد يحرمون على أنفسهم ما ذبحوه أو اصطادوه يوم السبت من الحيتان ولا يحرم علينا من ذلك شيء؛ لأنه طعامهم وإن لم يأكلوه، هذا معنى قوله دون لفظه، فبناه على أن الكفار مخاطبون بشرائع الإسلام، وهذا لا يصح فيما نحروه أو ذبحوه من كل ذي ظفر؛ لأنهم يعتقدون تحريم ذلك عليهم، فهو كالميتة إذ لا يقصدون بذلك ذكاة كمن رمى شاة يريد قتلها فأصاب مذبحها فقطع ودجيها وحلقومها، أو كمن ذبح شاة بالليل وهو يظنها خنزيرا، ولو ذبح ذلك لمسلم بأمره لتخرج جواز أكله على الاختلاف في المسلم يولي النصراني ذبح ما ينسكه؛ لأن النية في ذلك نية الأمر على ما بيناه في سماع أشهب من معنى قول ابن عمر للراعي: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، وإنما يصح في شحوم ما ذبحوه مما يأكلون على تأويل، إذ قد يحتمل أن يكون المراد بقوله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] أي: وطعامهم الذي هو حل لهم حل لكم، ويحتمل أن يكون المراد أي وطعامهم الذي أحل لهم وللمسلمين بالقرآن حل لكم، وأما على القول بأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة فشحومهم محرمة علينا على كل حال، إلا على مذهب من يأول أن المراد بذلك ذبائحهم، وذهب ابن لبابة أيضا إلى تحريم أكل ما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم أو سموا عليه اسم المسيح، تعليقا بظاهر قوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]. وبظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وسيأتي القول بعد هذا في رسم زونان فيما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم، وفي رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح في معنى قوله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121].

.مسألة هل يجوز للمرء أن يضجع الذبيحة إذا أراد ذبحها على أي شقيها:

وسئل ابن القاسم: هل يجوز للمرء أن يضجع الذبيحة إذا أراد ذبحها على أي شقيها شاء؟ قال ابن القاسم: الصواب عندي في ذلك على ما مضى عليه أمر المسلمين الشق الأيسر، ولو فعل ذلك رجل جاهل لم أحرم عليه أكلها ولم يكن في ذلك شيء.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الصواب أن يضجعها على شقها الأيسر؛ لأنه الذي عليه عمل الناس من أجل أنه الذي يتأتى به الذبح للذابح مع استقباله القبلة؛ لأنه يمسك رأسها بشماله ويذبح بيمينه، ولا يتأتى له ذلك إذا أضجعها على الشق الأيمن دون كلفة ومشقة إلا أن يكون إلى غير القبلة، فإن أضجعها على الشق الأيمن وذبح دون أن ينحرف عن القبلة فأكلها جائز وبئس ما صنع.

.مسألة أكل الجدي الذي رضع الخنزيرة:

ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابة:
مسألة قال ابن القاسم في الجدي يرضع الخنزيرة: أحب إلي ألا يذبح حتى يذهب ما في جوفه من غذائه، ولو ذبح مكانه وأكل لم أر به بأسا؛ لأن الطير تأكل الجيف والدجاج تأكل النتن فتذبح مكانها، فأكلها حلال.
قال محمد بن رشد: إنما احتج لجواز أكل الجدي الذي رضع الخنزيرة بجواز أكل الجلالة من الطير، لاتفاق أهل العلم على جواز أكل ذوات الحواصل من الجلالة، واختلافهم في ذوات الكروش منها، فكره جماعة من السلف أكل لحوم الجلالة منها وشرب ألبانها، لما روي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن أكل لحوم الجلالات وألبانها»، وهي في القياس واحد كما قال ابن القاسم: فلا اختلاف في المذهب أن أكل لحوم الماشية والطير التي تغذى بالنجاسات حلال جائز، وإنما اختلفوا في الألبان والأعراق والأبوال على ما مضى القول فيه في مواضعه من كتاب الوضوء من ذلك في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب ورسم سلف دينارا من سماع عيسى.

.مسألة شاة وضعت للذبح فذبحت فلم يتحرك منها شيء هل تؤكل:

ومن كتاب النسمة:
مسألة وسئل ابن القاسم وابن وهب: عن شاة وضعت للذبح فذبحت فلم يتحرك منها شيء، هل تؤكل؟ قالا: نعم تؤكل إذا كانت حين تذبح حية، فإن من الناس من يكون ثقيل اليد عند الذبح حتى لا تتحرك الذبيحة، وآخر يذبح فتقوم الذبيحة تمشي، فإن كانت حية حين تذبح فلا بأس بها.
قال محمد بن رشد: وهذا إذا سال دمها أو استفاض نفسها في حلقها بعد ذبحها استفاضة لا يشك معه في حياتها، وهذا في الصحيحة، بخلاف المريضة لا تؤكل وإن سال دمها إلا أن يعلم حياتها بأن تطرف بعينها أو تركض برجلها أو تحرك ذنبها أو تستفيض نفسها في حلقها بعد ذبحها.
والفرق بينهما أن الصحيحة الحياة فيها قائمة بينة، فيكتفى من وجود علامات الحياة بعد الذبح بأقلها وهي سيلان الدم، وأما المريضة فلا يكتفى من وجود علامات الحياة فيها بعد الذبح بسيلان الدم وحده دون التحريك أو ما يقوم مقام التحريك من استفاضة نفسها في حلقها لخفاء الحياة فيها قبل ذبحها من أجل مرضها.

.مسألة الرجل يظن أن يوم التروية من أيام النحر فينحر فيه:

ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها:
مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يظن أن يوم التروية من أيام النحر فينحر فيه، هل له أن يبيع لحم تلك الأضحية؟ فقال: لا يبيعه وليضح بأخرى وهو مثل من نحر قبل الإمام يوم النحر أنه يعيد بأخرى ولا يبع من لحم تلك الأضحية شيئا.
قال محمد بن رشد: ما هما سواء أما الذي نحر قبل الإمام فبين أنه لا يبيع من لحمها شيئا؛ لأنها أضحية تجزئه عند جماعة من العلماء إذا ذبح بعد الصلاة، وأما الذي ذبح يوم التروية فليس تحظير بيع لحمها عليه ببين، إذ ليس يوم التروية من أيام الذبح بإجماع، فمن ذبح فيه فليس من النسك في شيء، وإنما هو لحم قدمه لأهله على ما جاء في الحديث، فليس ببين أن يمنع من بيعه، روي عن البراء بن عازب قال: «خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أضحى إلى البقيع، فبدأ فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: إن أولى نسكنا في يومنا هذا أن نبتدئ بالصلاة، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله فليس من النسك في شيء»، الحديث.

.مسألة يخرجون في الصائفة غزاة في أرض الروم ويدركهم الأضحى:

وقال ابن القاسم في الذين يخرجون في الصائفة غزاة في أرض الروم ويدركهم الأضحى في أرض الروم، أترى أن يضحوا من غنمهم؟ قال: لا بأس به.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الغزاة لهم أن يأخذوا الطعام في أرض العدو ويذبحوا الغنم، وليس عليهم أن يرفعوا شيئا من ذلك إلى صاحب المغنم، فلما كان لمن أخذ شيئا من الغنم أن يذبحه ويأكله ويكون أحق به من غيره إلا أن يحتاج فيواسيه به جاز له أن يضحي به إن شاء الله تعالى.

.مسألة الرجل يشتري الضحية فيموت قبل ذبحها أيذبحها عنه الورثة:

ومن كتاب العتق:
مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يشتري الضحية فيموت قبل ذبحها أيذبحها عنه الورثة؟ وكيف إن كان قد ذبحها أيقسم لحمها كسائر ماله، وكيف إن لحق مشتريها دين قبل أن يذبحها أتبتاع؟ وكيف إن لحقه بعد تقليد بدنته وإيجابها أتباع؟ قال: من مات قبل ذبح أضحيته فإن أحسن ذلك أن يذبحها عنه الورثة إن شاءوا، فإن أبوا وشحوا فهي مال من ماله، وإن كان قد ذبحها لم يبع من لحمها شيء واقتسمها الورثة على الميراث، وإن لحقه دين قبل ذبح أضحيته أخذها غرماؤه، فإن ذبحت لم تبع، وأرى في الذي يقلد البدنة أن للغرماء أيضا أخذها، وإن قلدت، وليس تقليد البدنة أشد من العتق وهو يرد.
قال محمد بن رشد: قوله: إن مات قبل أن يذبح أضحيته إن الورثة لا يلزمهم أن يذبحوها عنه إلا أن يشاءوا، وإن للغرماء أن يأخذوها فيما لحقه من الدين بعد شرائها صحيح على أصولهم في أنها لا تجب إلا بالذبح، هذا قول مالك في المدونة ومذهبه ومذهب جميع أصحابه، وأما قوله: إنه إن مات بعد ذبحها فيقسمها الورثة بينهم على الميراث فقد مضى من القول على ذلك في رسم سن من سماع ابن القاسم ما فيه كفاية، وأما قوله في البدنة للغرماء: أخذها وإن قلدت، فمعناه في الدين القديم قبل التقليد، لا في الدين الحادث بعد التقليد، بدليل مسألة العتق التي احتج بها فوقع جوابه على غير ما سأله عنه؛ لأنه إنما سأله هل تباع فيما لحقه من الدين بعد التقليد والإشعار.

.مسألة اشترى أضحية فباعها ليشتري أفضل منها فوجد ثمن الأفضل أقل:

وسئل ابن القاسم: عن رجل اشترى أضحية فباعها ليشتري أفضل منها، فوجد أفضل بأقل من الثمن الذي باع به، وكيف إن كان أقر الأولى ولم يبعها، ثم اشترى أفضل منها فلم يأت الأضحى حتى كانت الأولى أفضل وأسمن؟ فقال: أما الذي باع ليشتري أفضل منها فوجد أفضل بأقل من الثمن، فإن مالكا كره أن يشتري بأقل من الثمن الذي باع به، وإن كانت أفضل، ورأى أن ينقد الثمن كله في أضحيته، وذكر له الحديث فلم يعجبه، وأما الذي اشترى الضحية، ثم تركها واشترى أفضل منها فأتى يوم النحر والأولى أفضل فإنه يذبح الأفضل منهما كانت الأولى أو الأخيرة.
قال محمد بن رشد: وجه كراهية مالك لمن اشترى أضحية فباعها ليشتري أفضل منها أن يستفضل من الثمن شيئا، وإن اشترى أفضل منها واستحبابه ليشتري شاة بجميع الثمن، هو أنه قد نوى القربة إلى الله تعالى بما أخرج من الثمن في الضحية الأولى، فكره له أن يرجع في شيء من ذلك، ولم يوجب ذلك عليه إذ لم يوجبه على نفسه بالنذر، فإن اشترى أفضل منها أو مثلها بأقل من الثمن الذي باع به تصدق بالفضل من الثمن، وإن اشترى دونها بأقل من الثمن تصدق بما استفضل من الثمن وبما بين قيمة التي أبدل على قيمة التي ضحى بها، وإن اشترى دونها بمثل الثمن أو بأكثر تصدق بما بين القيمتين لا أكثر، والحديث الذي ذكره له فلم يعجبه هو ما روي «أن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ بعث مع حكيم بن حزام بدينار ليشتري له به أضحية، فاشترى بها بدينار فباعها بدينارين، واشترى له أضحية أخرى بدينار فجاء بها وبالدينار الفاضل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتصدق به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا له بالبركة في تجارته»، وإنما لم يعجب الحديث مالكا ولم ير العمل به؛ لأن حكيم بن حزام لم يفعل ذلك بأمر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ ولا أباح النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ ذلك من فعله، بدليل تصدقه بالدينار الذي استفضل في الضحية التي كان ابتاعها له، وشكر له اجتهاده، فدعا له بالبركة في تجارته ولم يلمه على ما فعل، إذ قصد الخير واجتهد وخفي عليه وجه الكراهية في بيع الضحية والاستفضال من ثمنها، والله أعلم.

.مسألة دهنه بشحم أضحيته:

ومن كتاب مسائل المدنيين:
مسألة قال سعيد بن حسان: أخبرنا أبو موسى هرون قاضي المدينة أنه سمع مالكا سأله أحد عن دهنه بشحم أضحيته شرك النعال، فنهاه عن ذلك وكرهه.
قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك بين؛ لأنه إذا باع النعال بالثمن يقع على الجلد والعمل وجميع ما ألانها وحسنها من الادهان بالشحم وغيره، فصار بائعا لشحم أضحيته.

.مسألة البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ:

ومن سماع يحيى بن يحيى من كتاب الصلاة مسألة قال يحيى: قال ابن القاسم في البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ إن أكلهن كلهن لا يصلح؛ لأن بعضه يسقي بعضا، قال ابن وهب مثله، وسئل: عن أقداح بيض النعام أيشرب فيها إذا كان الفرخ الذي يخرج منها ميتا، فكرهه، وقال: أرأيت لو أن رجلا أراد أن يتداوى بشرب تلك القشرة بعينها أكان يصلح له ذلك وقد سقتها الميتة التي كانت في داخلها؟ فلا أحب ولا أراه حسنا.
قال محمد بن رشد: قوله في البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ إن أكلهن كلهن لا يصلح؛ لأن بعضه سقى بعضا، صحيح للعلة التي ذكرها من سقي النجس منها للطاهر؛ لأنه يرشح في الصلق، وهذا يرد قوله في سماع موسى بن معاوية في كتاب الوضوء: إن اللحم إذا طبخ بالماء النجس يغسل ويؤكل، وقد مضى هنالك من القول على ذلك ما فيه كفاية، وكذلك البيضة تخرج من الدجاجة الميتة لا تؤكل مخافة أن يكون سقتها الميتة، قاله مالك في المدونة، وقال ابن نافع: لا بأس بها، يريد إذا اشتد قبضها، ولها وجه ظاهر وهو أن الميتة لا تسقي البيضة بعد موتها؛ لأنها تبرد بالموت فلا يسري إليها منها شيء كما ألقيت البيضة بقشرها في دم أو بول بارد، بخلاف الصلق في الماء النجس، وأما كراهيته الشرب في أقداح بيض النعام التي تخرج منها الميتة فصحيح على مذهب مالك في كراهيته الامتشاط بعظام الميتة والادهان بمداهنها، وقد أجاز ذلك جماعة من السلف منهم عروة بن الزبير وابن شهاب وربيعة وقتادة والليث، وأخذ به ابن وهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ، وروي عن ابن شهاب أنه قال: كان سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمتشطون بأمشاط عظام الفيل ويدهنون بمداهنها لا يرون بذلك بأسا، وجعل ابن وهب تلقيتها في الماء كالدباغ في الجلد وأجاز بيعها، وقشرة بيض النعام التي يخرج منها الميتة محمولة على ذلك بالمعنى والقياس، إذ لا فرق بينه وبينها.

.مسألة يشتركان في الأضحيتين في اشترائهما فإذا أرادا أن يضحيا اقتسماهما:

من نوازل سئل عنها سحنون مسألة وسئل عن الفريقين يشتركان في الأضحيتين في اشترائهما، فإذا أرادا أن يضحيا اقتسماهما فقال أحدهما: أنا أضحي بهذه وأنت بهذه فضحيا كذلك وقد استويا جميعا في السمانة، قال: لا بأس بذلك، قيل: فلو كانت إحداهما أسمن من الأخرى؟ فقال: أكره ذلك للذي أخذ الأدنى؛ لأنه لا يجوز له أن يبدل أضحيته إلا بأجود منها، قيل له: فإذا وقع هل يجزئ عنه؟ فقال: إنما أكره أن يفعل ذلك فإذا وقع رأيته جائزا ما لم يأخذ لفضل الزيادة ثمنها، ولا يعود.
قال محمد بن رشد: أما كراهيته ذلك للذي أخذ الأدنى فبينة، وأما قوله: إذا وقع ذلك رأيته جائزا ما لم يأخذ لفضل الزيادة ثمنها ولا يعود فليس ببين، إذ لا فرق في المعنى بين أن يأخذ لفضل الزيادة ثمنا ولا يأخذ لها ثمنا ويتركه لرفيقه؛ لأنه في الحالتين جميعا قد ضحى بالأدنى، وذلك هو الذي يكره له، فإن أخذ لفضل الزيادة ثمنا تصدق به، وإن لم يأخذ له ثمنا تصدق بماله بما بين القيمتين، هذا الذي يؤمر به والذي كان ينبغي لهما أن يفعلاه ابتداء أن يتفقا وما الأسمن؟ ويبيعا الأدنى ويبتاع الذي خرج عن الأسمن بنصيبه من ذلك مثل الذي ضحى به رفيقه أو أسمن مما وجد وإن زاد على الثمن من ماله، وقد مضى في رسم العتق من سماع عيسى ما يدل على هذا.

.مسألة المرأة ترضع جديا بلبنها هل يؤكل:

وسئل عن المرأة ترضع جديا بلبنها هل يؤكل؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن الألبان تابعة للحوم ولحوم آدم طاهرة، فألبان النساء طاهرة بإجماع، فلا يضر إرضاعها الجدي.

.مسألة أكل الخطاطيف التي تعشش في البيوت:

وسئل: عن أكل الخطاطيف التي تعشش في البيوت هل يكره أكلها؛ لأنها قد تحرمت بمن نزلت عليه وعششت عنده؟ فقال: أما أنا فلا، فقال: أخبرني علي بن زياد عن مالك أنه كره أكلها، وكان ابن القاسم لا يكره أكلها، قال سحنون:. وما أرى بأكلها بأسا.
قال محمد بن رشد: مذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ إجازة أكل جميع الطير الغربان والأحدية والنسور والعقبان بظاهر قوله عز وجل: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] الآية لأنه لم يصح عنده عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ النهي عن أكل ذي مخلب من الطير، فبقي ذلك على ما يقتضيه عموم الآية من تحليل ما عدا المذكور تحريمه فيها، وخصص من ذلك ما صح عنده فيه التحريم من الحمر الأنسية وشبهها، وكره أكل الخطاطيف في رواية علي بن زياد عنه للمعنى الذي ذكره مع قلة الانتفاع بأكلها لهزالها وضعفها كما كره عروة بن الزبير أكل الغراب والحداة لتسمية النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ إياهما الفاسقين.

.مسألة اشترى أضحية ليضحي بها فلما انصرف من المصلى مات:

من سماع عبد المالك بن الحسن من أشهب وابن وهب مسألة قال عبد المالك بن الحسن: سألت أشهب بن عبد العزيز: عمن اشترى أضحية ليضحي بها، فلما انصرف من المصلى مات، قال: لا يضحى بها عنه وتكون ميراثا.
قال محمد بن رشد: قوله: لا يضحى بها عنه أي ليس يلزمهم ذلك إلا أن يشاءوا على ما قال ابن القاسم في رسم العتق من سماع عيسى إذ لا تجب الضحية إلا بالذبح.

.مسألة يسلف في الضحايا ويشترط أن يأتيه بها قبل يوم النحر فيؤخرها المسلف:

قال: وسألت ابن وهب عن الرجل يسلف في الضحايا ويشترط أن يأتيه بها قبل يوم النحر فيؤخرها المسلف إليه إلى بعد يوم النحر أيلزم المسلف أخذها؟ قال: نعم يلزم المسلف أخذها وإن أتاه بها بعد يوم النحر.
قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والتكلم عليه في رسم الأقضية من سماع أشهب فلا معنى لإعادته.

.مسألة ما يذبح للكنائس:

وسألته: عما يذبح للكنائس، قال: لا بأس بأكله.
قال محمد بن رشد: كره مالك في المدونة أكل ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم، وتأول في ذلك قوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]. ووجه قول أشهب أن ما ذبحوا لكنائسهم لما كانوا يأكلونه وجب أن يكون حلا لنا لأن الله تعالى يقول: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]. وإنما تأويل قوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]. ما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه، فهذا حرام علينا بدليل الآيتين.

.مسألة الضحية يوجد بها العيب كان عند البائع بعد ما ذبحت:

ومن سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الضحية يوجد بها العيب كان عند البائع بعد ما ذبحت فيأخذ قيمته ما يصنع به؟ قال: إن كان ذلك العيب مما يجوز في الضحايا كان له قيمته يصنع بها ما شاء، وأبدل مكانها إن كان في أيام النحر، وإن كان قد فات أيام الذبح كان بمنزلة من لم يضح والأرش له يصنع به ما شاء، وإن كان عيبا يجوز به في الضحايا تصدق بما يأخذ في قيمته؛ لأنه قد أوجبها وسماها ضحية، فليست عندي بمنزلة عتق التطوع؛ لأن العتق ليس يشتريه أحد حين يشتريه على أنه حر إنما يشتريه لنفسه، ثم يعتق بعد وهذه يشتريها وهي أضحية قد سماها وأوجبها.
قال محمد بن رشد: أما قوله في العيب يوجد في الضحية بعد ذبحها، فصحيح لا أعلم فيه نص خلاف وحكم الضحية والرقبة الواجبة والهدي الواجب في وجود العيون بها بعد ذبح الضحية وتقليد الهدي وتنفيذ العتق سواء إلا في أن الضحية مرتبطة بوقت، فإن كان العيب مما لا يجوز به الضحية ولا الرقبة ولا الهدي فقيمة العيب له، ويعتق عبدا آخر ويهدي هديا آخر ويضحي أضحية أخرى إن كانت أيام الذبح لم تفت، وإن فاتت أيام الذبح لم يكن عليه في الأرش شيء، وكان بمنزلة من لم يضح ولا اختلاف في هذا كله إلا قول داود بن أبي زبير في سماع محمد بن خالد من كتاب الظهار، وإن كان العيب مما تجوز به الضحية والرقبة والهدي لم يتمول قيمة العيب التي يرجع في شيء من ذلك، إلا أنه في الضحية يتصدق به، وفي الرقبة يجعله في رقبة، فإن لم يكن فيه رقبة شارك به في رقبة أو أعان به في رقبة يتم به عتقها أو جعله في كتابة يتم له عتقها، وفي الهدي يجعله في هدي، فإن لم يكن فيه هدي لم يشارك به في هدي من أجل أن الهدي لا يشترك فيه عند مالك وتصدق به، وأما الرقبة التطوع والهدي التطوع فاختلف في وجود العيب بهما على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا شيء عليه في قيمة العيب فيهما جميعا وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الظهار.
والثاني: أنه لا يتمول ما يرجع به للعيب فيهما جميعا، ويجعل ذلك في الهدي في هدي، أو يتصدق به إن لم يبلغ أن يكون فيه هدي، ويجعله في عتق في العتق أو يعين به إن لم يبلغ رقبة تامة، والثالث: تفرقته في المدونة بين عتق التطوع والهدي التطوع، وسواء كان العيب في هذا مما يجوز في الرقاب والهدي أو مما لا يجوز، الحكم في ذلك سواء. فهذا تحصيل هذه المسألة.

.مسألة باع بعض أهله جلد أضحيته:

قال ابن القاسم في رجل باع بعض أهله جلد أضحيته، قال: أرى أن يتصدق بثمنه، قلت: أرأيت إن كان أهله قد استنفقوا الثمن أيخرجه من عنده ويتصدق به؟ قال: أرأيت لو وضع لهم لحما من لحم أضحيته فباعوه واستنفقوا الثمن أعليه أن يخرجه من عنده، قال: لا. أرى ذلك عليه في الوجهين إذا لم يجد الثمن بعينه، قال أصبغ: إذا لم يرخص لهم في البيع ولا أذن لهم فيه ولم يعطهم الجلد على وجه ذلك ليصنعوا به ما شاءوا من بيع أو غيره، فإن فعل فهو البائع وعليه إخراج مثل الثمن والصدقة إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: أما إذا رخص لهم في البيع أو أذن لهم فيه فلا إشكال عليه في أن يخرج الثمن من ماله إن كان قد استنفق؛ لأنه هو البائع فكأنه قد باع وأخذ الثمن ودفعه إليهم فأنفقوه، وأما إذا لم يأذن لهم في ذلك ولا رخّص لهم فيه وفات البيع، ولم يقدر على رد فقال في الرواية: إنه يتصدق بالثمن إذا وجده بعينه، ولا شيء عليه فيه إن كانوا قد استنفقوه، ومعنى ذلك عندي إن كانوا قد استنفقوه فيما له عنه غنى، وأما إن كانوا استنفقوه فيما يلزمه مما لابد له منه ولا محيص له عنه، فعليه أن يخرجه من ماله ويتصدق به؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين أن يجده قائما بعينه؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك فكأنه قد أنفقه هو إذ قد وقى به ماله.

.مسألة دفع جلد أضحيته إلى رجل يدبغه له فادعى أنه سُرق منه:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم:
مسألة قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عمن دفع جلد أضحيته إلى رجل يدبغه له، فادعى أنه سُرق منه، فقال: إن كان يثق به فلا أرى أن يأخذ منه فيه شيئا، وإن كان متهما أن يكون كذبه فإني أرى أن يأخذ منه قيمته ويتصدق به فهو أحب إليّ وضعفه.
قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم في قوله: إنه يأخذ القيمة ويتصدق بها، مثل قول عيسى بن دينار في أول رسم من سماعه وقد مضى هنالك القول في تضعيفه.

.مسألة اشترى أضحيتين واحدة له وأخرى لامرأته فذبحهما جميعا لنفسه:

وسئل ابن القاسم عن رجل اشترى أضحيتين واحدة له وأخرى لامرأته فذبحهما جميعا لنفسه وعلى اسمه ساهيا، قال أحب إلي أن يبدل أضحية امرأته، فإن أبى فليست لامرأته أضحية ولا يجزئ عنها ما صنع.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن؛ لأن الضحية لا تجب إلا بالذبح ولا يجب على الرجل أن يضحي عن امرأته ولا أن يدخلها في أضحية إلا أن يشاء على مذهب مالك وجميع أصحابه حاشى ابن دينار.